بيان المثقفين العرب الموقع مما يزيد عن (250) مثقفاً، سوريين بدرجة رئيسة (ثمة 149منهم) ولبنانيين، ولا بأس ببعض العراقيين بحسب الخارطة المفترضة للدولة الاسلامية (داعش) التي وصف البيان ظهورها بالردة من دون أن ينتبه موقعو البيان"ترى هل الامر داخل بالفعل في خانة النسيان ؟ أشك!" إن كلمة "الردة" ذات الاصل الديني الضاربة جذورها بعيداً في التراث الاسلامي المتخم بالردات وأحكام المرتد، هذه الكلمة هي من بعض ما يحاول البيان أن يقف ضده، ويجادله ثقافياً، في الأقل، أو إن شئت قل، من منطق المثقف الليبرالي المتنور "حتماً"، مثلما يجادل مثقف عراقي"علاء اللامي" البيان واصحابه في مكان آخر، فكيف أمكن لكاتب البيان، صاحب العقل الليبرالي الحديث، وقد أشيع أنه ليس سوى"حازم صاغية" الكاتب والمحرر المسؤول في جريدة "الحياة" السعودية أن يستعمل كلمة يعرف الخطاب السلفي الموصوف هنا بالردة كيف يستعملها، وهي، حتماً، من بعض أسلحته الفتاكة والتي لا يجيد غيره استعمالها؟ صيغة البيان هذه الموصوفة من مثقف عراقي آخر"شاكر لعيبي" بانها مكتوبة "ببراعة"، وعنده أن البيان "يمسّ قضايا جوهرية وأساسية، لا شك بذلك" تخفي تندرها، بل وسخريتها من عقولنا، فضلاً عن وجداننا، وجدان الضحايا، ضحايا الافكار الطائشة، والبلاغة الساحرة لبيانات المثقفين العرب، والعراقيين في طليعتهم، التي تذكرنا دائماً باخفاقهم الذريع في إنتاج أي نوع من المعرفة، وارتكانهم، جميعاً دون استثناء، إلى اللغة وبلاغتها "الساحرة" في إيهامنا بوجود المثقف، وأنه، من ثمة، صاحب دور فاعل ومؤثر في مسار الاحداث الكبرى خاصة، عندها فقط يتذكر هؤلاء أن لهم دوراً، وأن عليهم إصدار بيانات توضح حقيقة موقفهم للقراء، جمهورهم" أية نكتة سمجة أن نتحدث عن جمهور خاص بالمثقفين العرب!" ، للعالم، للصحافة الغربية، غالباً، ولكن بإصرار وتعنت لتاريخ يكتب على عجل، أن يقال، في العراق مثلاً، إن لكل جيل بيانه: الستينيون، السبعينيون، الثمانينيون، ولما جاءت تسعينيات البلاد بجوعها وحروبها المتقطعة فكر جيلها الشعري والثقافي، حتماً، أن عليهم إصدار بيانهم المفارق لسابقيهم، وكان على الجميع، الاجيال كلها، قطعاً، بعد احتلال البلاد، أن تصدر بياناتها الشاجبة والمنددة بالمحتل حيناً، وبديكتاتور البلاد حيناً آخر، أو بهما في آن واحد.
ولا أظن أن بلاداً عربية اختلف أمرها عن العراق. دائماً كان البيان صيغة الثقافة الابرز في التعبير عن نفسها، ولا أدري أية صدفة أن تقترن كلمة "البيان" بالانقلابات العسكرية بلازمة لم تفارق أي انقلاب عسكري أنه دائماً البيان رقم واحد! فاية مفارقة كبرى أن تجتمع الثقافة والانقلابات العسكرية على أرضية واحدة يمثلها البيان ولغته المتصلبة؟! هل أريد أن أن اقول إن ثقافتنا، وتالياً، مثقفينا انقلابيون؟ ربما، وقد أتفهم تحرج كثير من مثقفينا العرب والعراقيين، خاصة، من استعمال كلمة" البيان" وصفاً لمواقفهم، وتراهم يستعملون كلمة أخرى بديلاً عنها مثل كلمة"المبادرة" التي تصدرت موقف عدد لاباس به مثقفي العراق بعيد أحداث الموصل والمعروف بـ "مبادرة مثقفات ومثقفون ... ثمة مبادرة أخرى كتبت في النجف ووقعها عدد كبير من المثقفين ومن وصلت إليه!!"، واللافت أن تلك "المبادرة" مرت دون أن تثير ردوداً في الوسط الثقافي العراقي على الرغم من إنها لا تختلف كثيراً عن "بيان المثقفين العرب"، بل إن أغلب موقعي البيان الأخير، من العراقيين، كانوا من ضمن من وقع على عريضة "المبادرة"، وقدموا، أو بتعبير أدق، أنهم قد وافقوا على صياغة مقاربة لقضايا لا تختلف كثيراً عن قضايا البيان العربي، والأهم أن البيانين قد اشتركا بأن كاتبيهما صحفيان مثلما أشيع "المبادرة كتبها مدير مكتب جريدة "الحياة" السعودية في العراق، فيما كتب "البيان" حازم صاغية". مرت "المبادرة" بصمت خلا تعليق مقتضب نشره كاتب عراقي"عباس كاظم" على جداره في الفيسبوك. لم يسأل أحد، من العراقيين خاصة، طالما أن الموضوع يعنيهم بدرجة رئيسة: كيف لمفكرين وشعراء وكتاب رواية مرموقين أن يوقعوا على بيان يكتبه "صحفي" يعمل لحساب صحيفة رئيسة في العالم العربي تمول، كلياً، من دولة متهمة، حد النخاع، بخطابها الطائفي المقيت الموجه ضد البلد، وبالأخص ضد القسم الاكبر من شعب العراق، بل كيف لهؤلاء أن ينساقوا وراء استسهال صيغة "البيانات الصحفية" المكتوبة على عجل كما لو أنها البيان رقم واحد في أي انقلاب عسكري يحدث بالصدفة في عالمنا العربي العابث ويوقعوا عليها من دون أن تعنيهم كثيراً قيمة اسمائهم الكبيرة؟ لكنهم يدركون، بوعي أو دونه، أنهم يوقعون على "بيان"، مجرد بيان، من شانه أن يسجل للتاريخ أنهم، دفعاً لأي اتهام، قد سجلوا موقفهم من الأحداث الكبرى في بلادهم! ولأنه محض "بيان" فلا بأس أن يكتبه من يشاء من "الصحاف" او نزلاء "المقاهي" طالما أن "البيان" لا يكلف صاحبه من جهد سوى قدر لافت من القدرة على إثارة القارئ بسحر البيان. لأجله، مؤكداً، تكثر البيانات عندنا بمناسبة أو من دونها، ولنا أن نضع الجميع في سلة واحدة، سلة عنوانها الرئيس: البيان بديلاً عن المعرفة مما هو في صميم عمل المثقف.